الصفحـــــــة الرئيـســـــــــة

الجمعة، 29 يونيو 2012

تكست - العدد 18 -مثل رياحٍ سحريّةٍ تأتي من الهامشِ وتذهبُ إلى الهامشِ رؤية إسماعيل غزالي من المغرب



النّظر إلى القصّة القصيرة ، محكوم ٌبطرائق تجديد القول فيها وتجديد طرائق الرّؤية إليها ، والأمر برمّته يقتضي عدم الاطمئنان الى تصوّرات ما قبليّة رُمينا نردها على رقعة جنسها و نوعيّتها و رفعنا أيدينا عنها ، كما لو أنّ المسألة محسومة بالقطع النهائي . فيما مصاحبة  هذا الشّكل الزّلق والانهمام بمزاولة جاذبيّته ، تعلّمنا أنّ عادة الإستقرار الى خلاصة ثابتة مرتكبة ، هي عادة غير محمودة وخاصّة حين يتعلّق التّوصيفٌ بجوهر مفخّخ ، يتمنّع على الإمتثال لنموذج ساطع ، كامل البراهين ، فرؤى الكمياء متحوّلة في ملّة القصّة القصيرة و لا تستطيب حال الرّضا كما لا تستحلي استدلالات النّتائج ( المتغطرسة ) المطلقة ...... للمزيد





النص




لُعبة مُفترق الطُّرق

إسماعيل غزالي

إلى محمد خضير

على دراجته النارية ، المارقة ، ذات الأزيز الحاد والدخان الفاحم ، وجد نفسه منشطرا في مهب أكثر من وجهة ، في مفترق ثلاث طرق :
الطريق الذاهبة يمينا صوب الغابة .
الطريق الذاهبة شمالا صوب النهر .
الطريق الذاهبة أماما صوب جبل الثلج .

دون أن يخطط لذلك ، سلك الطريق المتجهة صوب النهر ، وكان قبلئذ يروم الوجهة نحو جبل الثلج ، من أجل أن يصنع تمثالا ( نصب تذكار ) لكلبه الذي دهسته شاحنة أكباش من يومين وقضى نحبه .

على مقربة من النهر ، وجد نفسه موزعا على أكثر من اتجاه ، في مفترق طرق ثلاث :
الطريق الذاهبة يمينا صوب الخلاء .
الطريق الذاهبة شمالا صوب القرية .
الطريق الذاهبة أماما صوب النهر .

دون أن يخطط لذلك ، سلك الطريق المتجهة صوب القرية ، وكان قبلئذ يعتزم الذهاب نحو النهر ، من أجل أن يصطاد أفاعي المياه الرقطاء .

على مشارف القرية ، وجد نفسه مبعثرا على مرمى أكثر من وجهة، في مفترق ثلاث طرق :
الطريق الذاهبة يمينا صوب مقالع الأحجار .
الطريق الذاهبة شمالا صوب البحيرة .
الطريق الذاهبة أماما صوب القرية .

دون أن يخطط لذلك ، سلك الطريق المتجهة صوب البحيرة ، وكان قبلئذ قد نوى الذهاب نحو القرية من أجل لقاء فتاته الشقراء .

على تخوم البحيرة ، وجد نفسه حائرا في جنوحه إلى أكثر من وجهة ، على مفترق طرق ثلاث :
الطريق الذاهبة يمينا صوب حقول زهرة عبّاد الشمس .
الطريق الذاهبة شمالا صوب الغجر .
الطريق الذاهبة أماما صوب البحيرة .

دون أن يخطط لذلك ، سلك الطريق الذاهبة صوب الغجر ، وكان قبلها قد نوى النزول إلى البحيرة ، من أجل أن يستمتع بقيلولة على متن قارب من خشب .

على مثلث الطرق المتفرقة ، تلك المشرفة على مخيم الغجر ، وجد نفسه مبعثرا في جموحه مقابل ثلاث وجهات أخيرة :
الطريق الذاهبة يمينا صوب المقبرة .
الطريق الذاهبة شمالا صوب المدينة الحدودية .
الطريق الذاهبة أماما صوب الغجر .

دون أن يخطط لذلك ، سلك الطريق الذاهبة نحو المدينة في أقصى الحدود ، وقد كان يروم قبلها زيارة مخيم الغجر ، من أجل أن يصحب قيثارة أعارها لأحد العازفين من شهور .

على مشارف المدينة الحدودية ، دهسته شاحنة لنقل الأكباش ، ولحسن حظه لم تكنسه الحادثة إلى قمامة النسيان ، حيث وجد نفسه في سرير مستشفى يتقاسم الغرفة مع خمسة رجال  صُلْعٍ  ، يبدو من دوران عيونهم الحمراء بعضُ العته  والاختلال الأكيد ، وكل منهم يحتمي بملاءة  في أسرّة محاذية .  هؤلاء ما أن رأوه يصحو من غيبوبته حتى أينعتْ رؤوسهم خارج الغطاء و بادروه  واحدا واحدا متمتمين :

الأصلع الأول :
- كان عليك أن تختار من البداية وجهة الغابة . أين ما وعدتنيه من أنياب الضباع  حتى أزرعها تحت الوسادة ، لأمنع بها تسلل الكوابيس؟
الأصلع الثاني :
- لقد ارتكبت حماقة عندما تجاهلت طريق الخلاء . أين ما وعدتنيه من بيض القبرات كي أبني برجي نحو تلك الغيمة الهاربة ؟
الأصلع الثالث وكان بعين واحدة  :
- أتيت على فعل معتوه أكثر ، عندما رفضت الانعطاف في الطريق الذاهبة نحو مقالع الأحجار. أين ما وعدتنيه من الزمرد كي أحشو به حفرة عيني الفارغة ؟
الأصلع الرابع :
- بل أجرمت حقا عندما لم تأخذ وجهة الطريق الذاهبة صوب زهرة عبّاد الشمس . أين الفزاعة التي وعدتنيها  كعروس للزواج ؟
الأصلع الخامس :
- ثم تماديت في العته وضيعت وجهة الطريق الذاهبة صوب المقبرة . أين ما وعدتنيه من جماجم النساء جميعا لأشيد مدينتي الفاضلة ؟

بعد صمتٍ صلْدٍ رانَ للحظةٍ ، دخل رجلٌ وخط المشيبُ رأسَهُ ، ببلوزةٍ زرقاء ، يبدو عليه كما لو كان حارسا لمؤسسة ما ، وبادرهُ متمتما :
- إن كانت الدرّاجةُ النّاريّة التي سرقتنيها قد تهشمتْ في الحادثة ، فأخبرني ماذا صنعتَ بالكلب ؟

بعدئذ بدقائق لم تتجاوز الخمس ، دخلت امرأة فارعة الطول ، بنظارة وشعر هائش ، وبادرته متمتمة :
- لن أحاسبك على كل الأفاعي الرّقطاء التي هشمتَ رؤوسها في المختبر ، فقط أخبرني ماذا فعلت بزجاجة السم ؟

منسابةً تعاقبتْ خمسُ دقائق جديدةٍ ، ودخل شيخٌ في أرذل العمر ، وبادره متمتما في هزال  ، يكاد ينشج :
- ما ذا فعلتَ بحفيدتي ؟ أين ذهبتَ بفتاة القرية الشقراء ؟

لم تمر إلا خمس دقائق شبيهة بسابقتها ، ودخل رجل في الخمسين متوتّرا ، وبادره متمتما :
- يا صديقي أغفر لك كسرك للقارب ، فقط أخبرني أين خبأتَ البضاعة التي كانت على متْنِهِ ؟

ثم خمس دقائق نافقة أخرى ، وسُمِعَ أمام البوّابة بعضُ الضّجّةِ ، كانتْ لزمرةٍ من الغجرِ، يحملون وردا مع شموع موقدة ، دخلوا عليه في امتنانٍ وابتهالٍ وهم يتمتمون له :
- لنفترض أنّكَ وهبتَ الكلب للذئابِ .
لنفترض أنك شربتَ السمَّ مع فتاة القرية ، تيمُّنا بنهاية عاشقين نبيلين كما روميو وجولييت وماتتْ هي ولم تمتْ أنت لأسباب غامضة مع أنك تؤكد شربك للسم أيضا .
لنفترض أنك دخنتَ نصف البضاعة وبعتَ النّصفَ الباقي .
كلّ هذا هيت لكَ .
أخبرنا بحقِّ ما بيننا من عهدةِ الجنونِ ، أين أخفيتَ القيثارة ، قيثارة الشيطان ؟
.... للمزيد


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق