النّظر إلى القصّة القصيرة ، محكوم ٌبطرائق تجديد القول
فيها وتجديد طرائق الرّؤية إليها ، والأمر برمّته يقتضي عدم الاطمئنان الى تصوّرات
ما قبليّة رُمينا نردها على رقعة جنسها و نوعيّتها و رفعنا أيدينا عنها ، كما لو
أنّ المسألة محسومة بالقطع النهائي . فيما مصاحبة
هذا الشّكل الزّلق والانهمام بمزاولة جاذبيّته ، تعلّمنا أنّ عادة
الإستقرار الى خلاصة ثابتة مرتكبة ، هي عادة غير محمودة وخاصّة حين يتعلّق
التّوصيفٌ بجوهر مفخّخ ، يتمنّع على الإمتثال لنموذج ساطع ، كامل البراهين ، فرؤى
الكمياء متحوّلة في ملّة القصّة القصيرة و لا تستطيب حال الرّضا كما لا تستحلي
استدلالات النّتائج ( المتغطرسة ) المطلقة ...... للمزيد
النص
لُعبة مُفترق الطُّرق
إسماعيل غزالي
إلى محمد خضير
على دراجته النارية ،
المارقة ، ذات الأزيز الحاد والدخان الفاحم ، وجد نفسه منشطرا في مهب أكثر من وجهة
، في مفترق ثلاث طرق :
الطريق الذاهبة يمينا صوب
الغابة .
الطريق الذاهبة شمالا صوب
النهر .
الطريق الذاهبة أماما صوب
جبل الثلج .
دون أن يخطط لذلك ، سلك
الطريق المتجهة صوب النهر ، وكان قبلئذ يروم الوجهة نحو جبل الثلج ، من أجل أن
يصنع تمثالا ( نصب تذكار ) لكلبه الذي دهسته شاحنة أكباش من يومين وقضى نحبه .
على مقربة من النهر ، وجد
نفسه موزعا على أكثر من اتجاه ، في مفترق طرق ثلاث :
الطريق الذاهبة يمينا صوب
الخلاء .
الطريق الذاهبة شمالا صوب
القرية .
الطريق الذاهبة أماما صوب
النهر .
دون أن يخطط لذلك ، سلك
الطريق المتجهة صوب القرية ، وكان قبلئذ يعتزم الذهاب نحو النهر ، من أجل أن يصطاد
أفاعي المياه الرقطاء .
على مشارف القرية ، وجد نفسه
مبعثرا على مرمى أكثر من وجهة، في مفترق ثلاث طرق :
الطريق الذاهبة يمينا صوب
مقالع الأحجار .
الطريق الذاهبة شمالا صوب
البحيرة .
الطريق الذاهبة أماما صوب
القرية .
دون أن يخطط لذلك ، سلك
الطريق المتجهة صوب البحيرة ، وكان قبلئذ قد نوى الذهاب نحو القرية من أجل لقاء
فتاته الشقراء .
على تخوم البحيرة ، وجد نفسه
حائرا في جنوحه إلى أكثر من وجهة ، على مفترق طرق ثلاث :
الطريق الذاهبة يمينا صوب
حقول زهرة عبّاد الشمس .
الطريق الذاهبة شمالا صوب
الغجر .
الطريق الذاهبة أماما صوب
البحيرة .
دون أن يخطط لذلك ، سلك
الطريق الذاهبة صوب الغجر ، وكان قبلها قد نوى النزول إلى البحيرة ، من أجل أن
يستمتع بقيلولة على متن قارب من خشب .
على مثلث الطرق المتفرقة ،
تلك المشرفة على مخيم الغجر ، وجد نفسه مبعثرا في جموحه مقابل ثلاث وجهات أخيرة :
الطريق الذاهبة يمينا صوب المقبرة
.
الطريق الذاهبة شمالا صوب
المدينة الحدودية .
الطريق الذاهبة أماما صوب
الغجر .
دون أن يخطط لذلك ، سلك
الطريق الذاهبة نحو المدينة في أقصى الحدود ، وقد كان يروم قبلها زيارة مخيم الغجر
، من أجل أن يصحب قيثارة أعارها لأحد العازفين من شهور .
على مشارف المدينة الحدودية
، دهسته شاحنة لنقل الأكباش ، ولحسن حظه لم تكنسه الحادثة إلى قمامة النسيان ، حيث
وجد نفسه في سرير مستشفى يتقاسم الغرفة مع خمسة رجال صُلْعٍ
، يبدو من دوران عيونهم الحمراء بعضُ العته والاختلال الأكيد ، وكل منهم يحتمي بملاءة في أسرّة محاذية . هؤلاء ما أن رأوه يصحو من غيبوبته حتى أينعتْ
رؤوسهم خارج الغطاء و بادروه واحدا واحدا
متمتمين :
الأصلع الأول :
- كان عليك أن تختار من
البداية وجهة الغابة . أين ما وعدتنيه من أنياب الضباع حتى أزرعها تحت الوسادة ، لأمنع بها تسلل
الكوابيس؟
الأصلع الثاني :
- لقد ارتكبت حماقة عندما
تجاهلت طريق الخلاء . أين ما وعدتنيه من بيض القبرات كي أبني برجي نحو تلك الغيمة
الهاربة ؟
الأصلع الثالث وكان بعين
واحدة :
- أتيت على فعل معتوه أكثر ،
عندما رفضت الانعطاف في الطريق الذاهبة نحو مقالع الأحجار. أين ما وعدتنيه من
الزمرد كي أحشو به حفرة عيني الفارغة ؟
الأصلع الرابع :
- بل أجرمت حقا عندما لم
تأخذ وجهة الطريق الذاهبة صوب زهرة عبّاد الشمس . أين الفزاعة التي وعدتنيها كعروس للزواج ؟
الأصلع الخامس :
- ثم تماديت في العته وضيعت
وجهة الطريق الذاهبة صوب المقبرة . أين ما وعدتنيه من جماجم النساء جميعا لأشيد
مدينتي الفاضلة ؟
بعد صمتٍ صلْدٍ رانَ للحظةٍ
، دخل رجلٌ وخط المشيبُ رأسَهُ ، ببلوزةٍ زرقاء ، يبدو عليه كما لو كان حارسا
لمؤسسة ما ، وبادرهُ متمتما :
- إن كانت الدرّاجةُ
النّاريّة التي سرقتنيها قد تهشمتْ في الحادثة ، فأخبرني ماذا صنعتَ بالكلب ؟
بعدئذ بدقائق لم تتجاوز
الخمس ، دخلت امرأة فارعة الطول ، بنظارة وشعر هائش ، وبادرته متمتمة :
- لن أحاسبك على كل الأفاعي
الرّقطاء التي هشمتَ رؤوسها في المختبر ، فقط أخبرني ماذا فعلت بزجاجة السم ؟
منسابةً تعاقبتْ خمسُ دقائق
جديدةٍ ، ودخل شيخٌ في أرذل العمر ، وبادره متمتما في هزال ، يكاد ينشج :
- ما ذا فعلتَ بحفيدتي ؟ أين
ذهبتَ بفتاة القرية الشقراء ؟
لم تمر إلا خمس دقائق شبيهة
بسابقتها ، ودخل رجل في الخمسين متوتّرا ، وبادره متمتما :
- يا صديقي أغفر لك كسرك
للقارب ، فقط أخبرني أين خبأتَ البضاعة التي كانت على متْنِهِ ؟
ثم خمس دقائق نافقة أخرى ،
وسُمِعَ أمام البوّابة بعضُ الضّجّةِ ، كانتْ لزمرةٍ من الغجرِ، يحملون وردا مع
شموع موقدة ، دخلوا عليه في امتنانٍ وابتهالٍ وهم يتمتمون له :
- لنفترض أنّكَ وهبتَ الكلب
للذئابِ .
لنفترض أنك شربتَ السمَّ مع
فتاة القرية ، تيمُّنا بنهاية عاشقين نبيلين كما روميو وجولييت وماتتْ هي ولم تمتْ
أنت لأسباب غامضة مع أنك تؤكد شربك للسم أيضا .
لنفترض أنك دخنتَ نصف
البضاعة وبعتَ النّصفَ الباقي .
كلّ هذا هيت لكَ .
أخبرنا بحقِّ ما بيننا من
عهدةِ الجنونِ ، أين أخفيتَ القيثارة ، قيثارة الشيطان ؟
.... للمزيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق