
القصة لا تموت في سريرها أبداً !
الرواية قد تفعل ذلك ، ربما لأنها معمرة أكثر ! ..
تستعير منك عمراً و تعيش به،
أما لو عاش كلاهما ، فإن الرواية تعرف كيف توسع لنفسها ،
في البيت ، في الحيز الذي تشغله على رف المكتبة ، في حقيبتك ..و في حياتك نفسها ،
روايتك التي بحاجة لأن تكتب . القصة تسرق منك لحظة ، تخطف منك هنيهة ، ربما لذلك
لا تشعر بحرصك عليها ، فأنت معني دائما بمن خصم من أيامك و شهورك و سنواتك .. قليلون قرروا الاحتفاظ بأعمارهم ، رغم أنف
الرواية .. بورخيس ، كورتاثار ، وغيرهما .. قليلون من جمعوا بين الحسنيين ..
ماركيز ، همنجواي ، و غيرهما .. و كثيرون
أجادوا في كفة و سقطت منهم الثانية !
القصة تعبر معك طريقا بين رصيفين ، أما الرواية فتذهب
معك في جولة بامتداد مدينة شاسعة ...... للمزيد
النص
صانع
الصور الأعمى
طارق
إمام
لا يذكر المُصوِّر العجوز متى استغنى عن
عينيه تماماً ، مكتفياً بحدقة الزجاج ، وبصوت
"الفلاش" الأليف الذي كان يخبره مرةً بعد أخرى أن مهمةً جديدةً
قد انتهت .
الزبائنُ لم يلحظوا شيئاً . لم يدر بخلدهم
أن عينه اليُمنى المفتوحة حدقةٌ عمياء ، بئر ظُلمةٍ يرقد فيها الخواء .. و أن
العينَ اليُسرى المغلقة دائماً كي لا يهتز المشهد ، ربما ترى أفضل .
المُصوِّرُ العجوز لا يذكر من أيامه سوى
لحظة ولادته . لا يزال يسمع صرخةَ الحياة
وهمهمات الأهل و قطرة عرق باردة سالت من جبين الأم على جسده قبل أن تتوجه
في اليوم التالي إلى مقبرتها.
شاخ فجأةً ، كأن الحياة لم تكن .
تعوَّد أن يتأملَ الظلمةَ و يفكر : لو جرب
الناسُ التحديقَ في العتمة لن يشيخوا ، لأنهم سيحتفظون بأعينهم فترةً أطول .. لن
تكتظ ذاكرتهم بالضوء الذي يسيل في لحظة كطعنةِ برق ، ليُغرِق غرفَهم .. و يترك
تاريخهم مثل وعاءٍ فارغ
..............
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق